ألا عَرَفْتَ
رَشْفَةَ البُنِّ الصَّديقِ،
ثُمَّ إِشْعالَ عُودِ ثِقابِكَ الوَحيدِ،
لِيُلامِسَ شِفاهَ سِيجارتِكَ،
وبَعْدَها تَسْتَمْتِعُ رَقْصًا
مَعَ دُخانِها وَهِيَ تَحْتَرِقُ،
كَامْرَأَةٍ رَقَصَتْ عَلَى كَسْرِ زُجاجٍ،
فَتَسَاقَطَتْ دُمُوعُ قَدَمَيْها دَمًا في صَمْتٍ
مِنْ عَيْنَيْها.
أَفْرَغْتَ رَشَفَاتِ فِنْجانِكَ،
وَنَظَرْتَ إِلَيْهِ؛
أَلَا يُذَكِّرُكَ الطَّريقُ المَرْسُومُ داخِلَهُ،
بَعْدَما فَرَغَ مِنْ قَهْوَتِكَ،
بِالشِّتَاءِ،
بِالْبَرْدِ القارِسِ،
وَقَدِ انْفَضَّ كُلُّ مَنْ حَوْلَكَ،
إلَّا ذِرَاعَيْكَ
لِتَضُمَّهُما إِلَيْكَ،
وَتَتَذَكَّرَ يَوْمَها رَسائِلَ نَسِيتَها
عَلَى سَطْحِ مُحِيطٍ لِتَصِلَ
إلَى مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَا يَصِلُكَ رَدٌّ.
تَنْفَرِطُ مِنْكَ –مُكْرَهًا– عَبْرَةٌ
كُنْتَ لَا تُحِبُّ أَنْ تَظْهَرَ.
تَلْتَقِطُ عَيْنَاكَ مَنْ هِيَ
قَابِعَةٌ فَوْقَ مَنْضَدَتِكَ،
لِتُشاهِدَ مِنْ أَلْوانِها بَعْضًا
مِنَ الهُرْمُوناتِ الأُنْثَوِيَّةِ؛
غَاضِبَةٌ في لَوْنِها الأَحْمَر،
سَعِيدَةٌ في لَوْنِها الأَصْفَر،
ومُرِيحَةٌ في لَوْنِها الأَخْضَر.
تَمُرُّ مِنْ أَمَامِكَ، تَرْتَدِي
المِئْزَرَ، وَتَحْتَضِنُ كُرّاساتٍ
لِتُخْفِي بَدَايَاتِ الأُنُوثَةِ خَجَلًا،
وأَنْتَ سَعِيدٌ بِلَقْطَةِ عَيْنَيْكَ
مِنْ حُمْرَةِ خَدَّيْها،
مُتَمَنِّيًا مُلَامَسَةَ أَطْرَافِ
أَصابِعِها الجَافَّةِ
مِنْ خَوْفِ أَوَّلِ لِقاءٍ.
مُتَأَلِّمًا، تَنْتَبِهُ لِتَسَاقُطِ
شَعْرَةٍ بَيْضاءَ عَلَى قَمِيصِكَ،
تُذَكِّرُكَ
أَنَّكَ تَجاوَزْتَ حَدَّ المَرَاهَقَةِ
لِمَزِيدٍ مِنَ العَيْشِ.
حَوِّلْ –يا صَدِيقِي–
إلَى نِظَامِ «خَرِيفِ العُمْرِ».
تُغْلِقُ الهاتِفَ.